زواج القاصرات في كرماشان.. أزمة صامتة تهدد مستقبل جيل كامل من فتيات إيران

زواج القاصرات في كرماشان.. أزمة صامتة تهدد مستقبل جيل كامل من فتيات إيران
فتيات قاصرات في إيران- أرشيف

في مدينة كرماشان الإيرانية، تتكشف واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية وخطورة، إذ تُدفع الفتيات القاصرات منذ طفولتهن إلى دائرة الاستغلال الجنسي والبغاء بالزواج القسري تحت غطاء الزواج الشرعي. وهذه الظاهرة، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء المرأة الأربعاء، تعكس أزمة عميقة يعجز المجتمع والسلطات عن مواجهتها، وتهدد مستقبل جيل كامل من الأطفال وتتركهم عرضة للمخاطر من دون حماية قانونية أو مؤسساتية كافية.

طفلات تُجبر على البغاء

رويا ح، فتاة من جماعة الكاولية الرحل في كرماشان، زُوّجت في سن مبكرة، لكنها أُجبرت لاحقاً على معاشرة رجال آخرين، وهو نمط مألوف في مجتمعها، فمعظم الفتيات اللواتي تعرفهن تعرضن لتجارب مماثلة، حيث يبدأ استغلالهن الجنسي منذ عمر 10 سنوات أو أقل، وفي هذا الوسط، يُنظر للطفلة على أنها سلعة أكثر من كونها إنساناً كامل الحقوق.

وتروي سمیرا ق، الممرضة المناوبة في مستشفى محمد كرماشاني، أن رويا لم تبدُ طفلة مريضة فقط، بل بدت كمن أثقلته متاعب الحياة، وكانت حالتها تتفاقم كلما حضر أهلها لزيارتها، وأضافت أن المستشفى يستقبل شهرياً عشرات الأطفال دون سن الخامسة عشرة يعانون من التهابات حادة وأمراض منقولة جنسياً، وبعضهم مرّ بتجارب إجهاض، وفي قسم الطب النفسي، يحاول الطاقم توعية الأطفال وتشجيعهم على رفض مثل هذا المصير، إلا أن غياب التشريعات الداعمة وانعدام الملاجئ الآمنة يجعلهم عرضة للاستغلال، ويضطر الأطباء بعد فترة علاج قصيرة لإعادتهم لأسرهم لتعود الدائرة القاسية نفسها.

القوانين التي تغذي الظاهرة

يسمح القانون الإيراني بزواج الفتيات اعتباراً من سن 13، وهو ما يخلق أرضية خصبة لاستمرار هذه الممارسات تحت مسميات دينية أو شرعية، والكثير من الفتيات في الطبقات الفقيرة يُدفعن إلى الزواج المبكر، وبدلاً من متابعة تعليمهن والتمتع بطفولتهن، يجدن أنفسهن محاصرات بعلاقات غير متكافئة ومسؤوليات ثقيلة، وهذه التجارب المبكرة تؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة، وتنتج جيلاً هشاً يعيش في دوامة الفقر والتهميش.

ارتفاع الطلب على الفتيات الصغيرات

مرضية ث، الناشطة في مجال حقوق الطفل، أكدت أن انتشار ظاهرة البيدوفيليا أسهم في ارتفاع الطلب على الفتيات الصغيرات تحت غطاء الزواج الشرعي، وأوضحت أن أحياءً مثل الآغا خان وسرجشمه وأبريشم في كرماشان تشهد حالات متكررة لاستغلال الفتيات منذ سنواتهن الأولى. وأضافت أن بعض الأمهات يُجبرن على البغاء، ما يحوّل هذه الممارسات إلى إرث عائلي، في حين يكون الأب أحياناً جزءاً من دائرة الاستغلال، خصوصاً في الأسر التي يعاني فيها الرجال من الإدمان.

تؤكد مرضية ث أن استمرار هذا المسار لن يؤثر في الضحايا فقط، بل في المجتمع بأسره، حيث يخلق الطلب الخفي والمنظم على استغلال الأطفال تحت مسمى الزواج دائرة مريضة تتسع يوماً بعد يوم وإذا استمرت هذه الممارسات، سيجد المجتمع نفسه أمام جيل نشأ منذ طفولته على البغاء ولم يعرف وسيلة أخرى للعيش.

غياب المؤسسات وحماية الأطفال

غياب المؤسسات الرقابية والداعمة يجعل من المستحيل اتخاذ خطوات فعالة لوقف استغلال الأطفال، حتى مؤسسة الرعاية الاجتماعية تفتقر إلى خطط واضحة وإمكانات كافية للتدخل. ومع أن بعض المنظمات غير الحكومية تقدم برامج تعليمية وخدمات داعمة، فإن محدودية الموارد والضغوط الاقتصادية تحد من قدرتها على حماية الأطفال بشكل مستمر.

تقديرات وأرقام صادمة

لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الفتيات القاصرات اللواتي أُجبرن على البغاء في كرماشان بسبب غياب آليات الرصد وعدم تسجيل عقود الزواج المؤقت. ومع ذلك، يمكن استخدام أعداد أطفال العمل بوصفها مؤشراً تقريبياً. فبينما تشير البيانات الحكومية إلى وجود ما بين 800 و1000 طفل عامل في المدينة، قدرت وكالة فراتاب في تقريرها الصادر في يناير 2025 العدد بنحو 44 ألف طفل، وإذا افترضنا أن ثلث هؤلاء من الفتيات واضطر جزء منهن إلى البغاء، فإن الأرقام تكشف أزمة اجتماعية عميقة، ما تزال السلطات تتجاهلها أو تنكرها.

تشير الدراسات إلى أن غرب إيران يشهد مستويات مرتفعة من الفقر والبطالة، إضافة إلى تفكك بعض البنى الاجتماعية وانتشار الإدمان، ما يجعل الأطفال والفتيات القاصرات أكثر عرضة للاستغلال، ويسمح القانون الإيراني بزواج الفتيات من سن 13، مع إمكانية الزواج في سن أقل بموافقة قضائية، وهو ما تنتقده منظمات حقوقية دولية باعتباره انتهاكاً لحقوق الطفولة، ويزيد ضعف منظومة الحماية الاجتماعية وقلة الملاجئ الآمنة من هشاشة وضع الفتيات، ويترك آلاف الأطفال بلا حماية أمام الانتهاكات الجنسية والاستغلال المبكر، ما يشكل أزمة إنسانية صامتة تهدد النسيج الاجتماعي ومستقبل الأجيال القادمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية